داود عبد السيد:
أزمة السينما فى العرض والتوزيع... وفى المحتكرين الجدد الذين يوجهون السوق لخدمة أغراضهم الشخصية
* عندما يقتصر إنتاج السينما المصرية على الأفلام الكوميدية فإنه وضع غريب ومريب ولا يوجد له مثيل فى الدنيا
* لا تتهموا الجمهور بفساد الذوق عندما يتهافت على أفلام «الزغزغة» الكوميدية... فهذا أمر طبيعى بالنسبة لجمهور نجح الجهاز الإعلامى فى تغييب وعيه على مدار نصف قرن
*خدعوك فقالوا إن العصر الذهبى للسينما المصرية فى فترة القطاع العام أبدا... لقد كانت فترة مليئة بالفساد والمحسوبيات وخراب الذمم
* أشعر أن هناك حالة اضطهاد لجيلى من مخرجى الثمانينيات.. لمجرد أنهم يغردون خارج السرب ويصرون على تقديم سينما محترمة
* الحل الذى أتصوره لحل الأزمة الحالية هو إنشاء أكبر عدد من دور العرض فى كل المحافظات.... لكسر الاحتكار الذى تعانى منه سوق السينما
* يستطيع التليفزيون أن ينتج 50 فيلما فى السنة بإمكانات مادية بسيطة وبفكر مختلف كما فعل محمد خان
* أشجع اتجاه وزارة الثقافة لدعم السينما بل أطالب الدولة بكل مؤسساتها أن تفعل ذلك على اعتبار أنها مسألة «أمن قومى»
* نجاح «سهر الليالى» و«بحب السيما» جاء مصادفة... وأعتقد أنها حالات فردية لن تكرر
أيمن الحكيم
تكتسب شهادة داود عبدالسيد عن أزمة السينما المصرية، وتقييمه للأوضاع القائمة أهمية خاصة لا لكونه واحدا من أهم مخريجها على الساحة الآن، ولا بوصفه من رموز جيل الثمانينيات السينمائى المتهم بتطفيش الجمهور من دور العرض وأنه جاب السينما الأرض بأفلامه الصعبة، ورؤاه الفلسفية المعقدة التى جعلت جمهور الصالات يهرب منها ومن السينما كلها.
ففوق ذلك وبالإضافة إلى كل ذلك فإن داود شاهد عيان على تلك الأزمة مخرجا ومؤلفا ومنتجا ومشاركا فى الندوات واللجان التى تشكلت لوضع حلول وتصورات وتوصيات... والأهم من ذلك أن داود ليس مجرد مخرج، بل هو لمن يعرف قدره «مفكر» يتأمل كثيرا فى الأمور ولا يميل إلى الآراء المتسرعة والأحكام الانطباعية الشخصية الطائرة، بل يزن كل كلمة يقولها ولا يخرج منه الرأى إلا بعد تفكير وتدبير وتقليبه على كافة أوجهه... لذلك تثير آراؤه الإعجاب غالبا، والجدل أحيانا بما تحمله من عمق وصراحة... قد تكون موجعة.
* سألته فى البداية: هل أنت مع القائلين بأن فترة المؤسسة والقطاع العام هى العصر الذهبى للسينما المصرية؟
ـ لا إطلاقا ما أذكره وأعرضه أن سنوات القطاع العام فى السينما كانت فترة مليئة بالتضارب فى السياسات مرة يقولون عايزين ننتج أفلام من كل المستويات والفئات أولى وتانية وتالتة حسب الجودة الفنية، ومرة يقولون لا أفلام الدرجة الثانية والثالثة لا تليق بنا، ويجب أن نركز على الأفلام الكبيرة فقط.
ومرة يعلنون أن هدفهم هو الجودة الفنية فقط... ومرة يصرحون أن هدفهم هو الربح والإيرادات.... أضف إلى ذلك فساد الإدارة التى كانت مسيطرة على مؤسسة السينما وملف الفساد متخم بالمجاملات والمحسوبيات وصل إلى الفساد المالى، وخراب الذمم خاصة أنه لم يكن هناك رقيب ولا حسيب على المؤسسة وموظفيها فتحولت إلى هيئة حكومية، يسيطر عليها موظفون ذوى رؤية محدودة، وحسابات صغيرة.
وأتصور أن شهرة مؤسسة السينما ومرحلة القطاع العام جاءت من مجموعة الأفلام الجيدة التى أنتجتها فى تلك الفترة وشارك فيها نجوم كبار ومخرجون على درجة عالية من الخدمة..ولكن السبب الرئيسى فى نجاحها حسب تصورى أنها اقتربت من التراث الأدبى الروائى... ولم تكن السينما حتى ذلك الحين قد استفادت منه أو تنبهت إليه... وهكذا ظهرت مجموعة الأفلام المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ وعبدلرحمن الشرقاوى وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وغيرهم.
ولكن إذا قسنا هذه الأفلام بمجموعة ما أنتجته المؤسسة، وما خلفته من آثار سلبية وما أحدثته من تخريب، أستطيع أن أقول إن العصر الذهبى للسينما المصريةكان فى سنوات الأربعينيات والخمسينيات وجزء من الستينيات سبق التأميم، ازدهرت فيها السينما كما وكيفا وهى الفترة التى كان الإنتاج فيها بيد الأفراد والشركات الخاصة وليس الدولة.
* ولماذا لم يحدث هذا الازدهار عندما عاد الإنتاج فرديا ورفعت الدولة يدها عن الإنتاج السينمائى؟
ـ لاختلاف الظروف... فى الفترة الأولى كانت السينما فن الترفيه الأول، ليس فى مصر وحدها بل فى العالم العربى كله، وكان الفيلم المصرى هو الجوكر بلا منافس.... تقلص هذا السوق أو اختفى مع وجود التليفزيون والمتغيرات التى طرأت فى السبعينيات والثمانينيات.. فقد راجت أفلام المقاولات وهى الأفلام التى تنتج وتحمل بمجموعة من الإعلانات على شريط فيديو لتعرض على جمهور خليجى خاص كانت السينما من الممنوعات فى بلاده.
ومن هنا ازدهر سوق الأفلام التجارية منذ السبعينيات وكان أغلبها سخيفا وساذجا بصورة لا تحتمل.... وفى حين كان الهم والقضايا الاجتماعية والاقتصادية تشغل الناس وتطبق على رقابهم هرب السينمائيون من معالجتها وتنافسوا فى تلك النوعية الرديئة من الأفلام التى لم تحقق حتى التسلية البسيطة التى كانت تحققها أفلام الأربعينيات.
وفى سنوات الثمانينيات بدأت الصورة تختلف والخريطة تتغير مع دخول جيل صنع أفلاما مختلفة تحمل الكثير من الفن.. والهموم.
الأحد أغسطس 31, 2008 5:00 pm
